تفسير سور''الكافرون''،''النصر''و''المسد''..
--------------------------------------------------------------------------------
قال العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي عليه رحمة الله في تفسيره"تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"
سورة الكافرون
" قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين "
أي : قل للكافرين معلنا ومصرحا
" لا أعبد ما تعبدون "، أي : تبرأ مما كانوا يعبدون من دون الله ، ظاهرا وباطنا .
" ولا أنتم عابدون ما أعبد " لعدم إخلاصكم في عبادتكم لله ، فعبادتكم له ، المقترنة بالشرك ، لا تسمى عبادة . وكرر ذلك ، ليدل الأول على عدم وجود الفعل ، والثاني ، على أن ذلك قد صار وصفا لازما . ولهذا ميز بين الفريقين ، وفصل بين الطائفتين ، فقال :
" لكم دينكم ولي دين " كما قال تعالى : " قل كل يعمل على شاكلته "،" أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون "
تم تفسير سورة الكافرين ـ بفضل الله وتيسيره .
سورة النصر
" إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا "
في هذه السورة الكريمة ، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها ، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك . فالبشارة هي : البشارة بنصر الله لرسوله ، وفتحه مكة ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره ، بعد أن كانوا من أعدائه ، وقد وقع هذا المبشر به . وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح ، فأمر رسوله أن يشكره على ذلك ، ويسبح بحمده ويستغفره . وأما الإشارة ، فإن في ذلك إشارتين : إشارة أن النصر يستمر للدين ، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره ، من رسوله ، فإن هذا من الشكر ، والله يقول : " لئن شكرتم لأزيدنكم ".
وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة . لم يزل نصر الله مستمرا ، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان ، ودخل فيه من لم يدخل في غيره ، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث ، فابتلوا بتفرق الكلمة ، وتشتت الأمر ، فحصل ما حصل . ومع هذا ، فلهذه الأمة ، وهذا الدين ، من رحمة الله ولطفه ، ما لا يخطر بالبال ، ويدور في الخيال . وأما الإشارة الثانية ، فهي إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا ، ووجه ذلك أن عمره ، عمر فاضل ، أقسم الله به . وقد عهد أن الأمور الفاضلة ، تختم بالاستغفار ، كالصلاة ، والحج ، وغير ذلك . فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال ، إشارة إلى أن أجله قد انتهى ، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه ، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه . فكان يتأول القرآن ، ويقول ذلك في صلاته يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : « سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي » .
تم تفسير سورة النصر ـ بتيسير الله ومعونته .
سورة المسد
" تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد "
أبو لهب ، هو عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان شديد العداوة والأذية له ، فلا دين له ، ولا حمية للقرابة ، قبحه الله . فذمه الله بهذا الذم العظيم ، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة ، فقال :
" تبت يدا أبي لهب "، أي : خسرت يداه وشقي
" وتب " فلم يربح .
" ما أغنى عنه ماله " الذي كان عنده ، فأطغاه .
" وما كسب " لم يرد عنه شيئا من عذاب الله ، إذا نزل به .
" سيصلى نارا ذات لهب "، أي : ستحيط به النار من كل جانب ، هو
" وامرأته حمالة الحطب ". وكانت أيضا شديدة الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان ، وتلقي الشر ، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتجمع على ظهرها الأوزار ، بمنزلة من يجمع حطبا ، قد أعد له في عنقه حبلا
" من مسد " ، أي : من ليف . أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها ، متقلدة في عنقها حبلا من مسد . وعلى كل ، ففي هذه السورة ، آية باهرة من آيات الله . فإن الله أنزل هذه السورة وأبو لهب وامرأته لم يهلكا . وأخبر أنهما سيعذبان في النار ، ولا بد من لازم ذلك أنهما لا يسلمان . فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة .
تم تفسير سورة المسد ـ بعون الله وتيسيره